قصة نجاح
الخطيب اللامع إن الأمة العظيمة الموالية لأهل البيت صلوات الله عليهم منتشرون في كل أقصاع المعمورة، ومن أجلى الظواهر الدينية والعقدية التي تميزهم وتبرزهم في العالم هو إحياؤهم لمناسبات المعصومين عليهم السلام و بعد مقتل الحسين عليه السلام مباشرة بدأت حناجرهم ترتفع بالرثاء لما حل بذرية رسول الله صلى الله عليه وآله من القتل والتشريد والإقصاء.
وهكذا سارت قافلة الرثاء تترقى شيئا فشيئا في زمن الأئمة صلوات الله عليهم حيث كانت محصورة في الرثاء و المدح، ولكنها بعد ذلك تعدت ذلك إلى القراءة في النسخة حيث يستمع الموالون ما سطره المؤرخون والعلماء الأعلام ، ثم تعدت ذلك إلى الخطابة كما هي عليه الآن ، وإن بلادنا الغالية سيهات هي جزء لا يتجزء من المنظومة العقدية الموالية فساهمت كغيرها في إثراء المنبر الحسيني نثرا وشعرا.
وفي هذه التغريدة المتواضعة نعرج على علم من أعلام هذه المدرسة الخطابية الراقية والموفقة والتي عاشت طيلة حياتها تهتف بالحسين وآل الحسين عليهم السلام، لا تَكُل ولا تمل فقد عشقت عليا وآله عقيدة وفكرا ومنهجا وسلوكا وعملا ، فبرزت في بلادنا كشخصية لامعة إنه ذالكم الخطيب الكبير أستاذ الخطباء في عصره المرحوم ملا علي بن محمد بن سالم السيهاتي قدس الله نفسه الزكية فقد آتاه الله الفصاحة والبلاغة والحفظ والحس والحظ والتوفيقات الإلهية فاجتمعت فيه عناصر النجاح ليكون الخطيب اللامع في سماء الخطابة المنبرية الحسينية.
يمتاز به من أخلاق عالية وتواضع وتواصل مع أهله ومجتمعه يتواصل معهم ويحنو عليهم ويمد لهم يد المساعدة وقد عاشت سيهات في حياته الميمونة أيامًا مشرقة بعطائه الحسيني فاجتهد على تعميق المحبة والولاء لأهل البيت وتركيز العقيدة في نفوس الموالين ، وقد تميز رحمه الله بتأثيره القوي على نفوس المستمعين فبمجرد صعوده المنبر وتجلِّي طلعته المباركة على المنبر ترتفع أصواتهم بالبكاء والنحيب فكأنه يأخذ بمجامع قلوبهم فتنهمر الدموع من العيون ، وهذا التأثير الروحي والنفسي على الآخرين قلَّ من يوفق له فالإرتباط بالله والإخلاص له سبحانه وتعالى عوامل وجرعات تجعل لروح المؤمن تأثيرات إيجابية على الآخرين.
ولقد تخرج على يديه المباركتين ثلة لامعة من شباب سيهات المحروسة و صاروا بعده روادا في خطاباتهم وقراءاتهم مثل المرحوم سماحة الشيخ عبد المجيد أبي المكارم، والمرحوم السيد مرتضى السيد شبر الموسوي، والمرحوم ملا عبد المحسن بن نصر، وعميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد منصور خميس حفظه الله وسلمه والمرحوم ملا محسن بن علي بن صالح المعلم وغيرهم.
وخطيبنا الكبير من عائلة كريمة وعريقة في سيهات المحروسة وحدث الأخ الحاج إبراهيم بن علي عبد النبي وفقه الله وحفظه قائلا كنت أرافق والدي رحمه الله وأنا صغير وإن كنت لا أستوعب الحديث ، لكنني أتذكر بكاء المستمعين لدرجة أنني أنظر إلى والدي وهو مسترسل في البكاء وأنا أنظر إليه مستغربا من بكائه ولأي سبب يبكي ؟، وقد تحدث عنه الأخ العزيز أستاذنا الفاضل الحاج عبد الفتاح بن سلمان العيد وفقه الله وحفظه في كتابه القيم (من خطباء المنبر الحسيني بمدينة سيهات قائلا تعلم القرآن والخط على يد بعض أساتذة بلده سيهات في سن مبكر فأتقن وأجاد في مدة يسيرة لا تتجاوز ثلاث سنوات وما أن بلغ العاشرة من عمره حتى طمحت نفسه للخطابة الحسينية إذ هي الوسيلة الكبرى في عصره وخاصة في بلده ، للعلم والثقافة بوجه عام فحقق والداه رغبته فامتهن الخطابة على يد المرحوم السيد حسين بن السيد إبراهيم أحد خطباء سيهات وهو في سن الخامسة عشر من عمره.
ولقد ختم حياته المباركة سنة ١٣٨٠هحرية وهو على منبره الحسيني في الثاني من شهر محرم الحرام ، فصار في ضيافة الله وفي ضيافة الحسين عليه السلام إن شاء الله تعالى فخسرت سيهات بل منطقة القطيف عموما علما من أعلام المنبر الحسيني وأديبًا وشاعرا مفوَّها ، علما بأنه ولد في سنة ١٣١٣ هجرية، فحشره الله مع الحسين وآل الحسين صلوات الله عليهم أجمعين ورحم الله من يقرأ له ولوالديه وأسلافه سورة الفاتحة.
الكاتب عيسى صليل